على هامش اليوم الأوّل لندوة
المدخل لإصلاح التعليم في تونس
وقد كانت الأدلجة حاكمة على إصلاح الشرفي الذي تمّ تقليص مادة التربية الإسلامية وإفراغها من محتواها وتعويضها بالتربية المدنية التي قام بها أساتذة متخرجون من كلية الحقوق كما راجع مادة التاريخ بما يوافق ما أسماه “إعادة قراءة التاريخ العربي والإسلامي وكان أهم ما قام به أيضا إغلاق مدارس الترشيح واعتماد مناظرة “الكاباس” الذي يعتبر معرّة في تاريخ التعليم في تونس.وهذا ما بسطه الدكتور علي الزيدي.
أما عن مشكلة المنهج ومعضلة الإيديولوجيا فقد ركز المحاضر الدكتور محسن بن عامرعلى أهمية المدخل للإصلاح الذي يبسط حزمة من القيم والمسلمات التي تجيب عن سؤال ماذا نصلح؟وذلك لتحقيق الركائز الأساسية للتعليم والتي لايقوم عليها إلا الخبراء التونسيون العارفون بعناصر الإصلاح وبالفضاء التربوي الذي يبسطون فيه أفكارهم.
وهذا المدخل للإصلاح يختلف عن منهج الإصلاح الذي عليه الإجابة عن سؤال :كيف نصلح؟ والذي يمسح الجانب الفني في التعليم .
وأما في المستوى الإيديولوجي فلابد من الوقوف على بعض المسلمات التي وردت في وثيقة أعدّها الدكتور محمد بن فاطمة بعنوان إشكالية المداخل في الإصلاح التربوي أهمها:
* ما يجري في تونس مماثل لما يجري في أصقاع الدنياوعملية التعليم والتربية خاضعة لنفس المنوال الذي تخضع له المنظومة التربوية في أي بلد كان غير أن المجال التونسي له خصوصيته فلا يمكن لخارطة معدّة في فيلندا أن نسير بها في تونس
* المنظومة التربوية التي تعمل على مبدإ “الجودة” هي منظومة عالميّة ولكن ما يقترح في فيلندا أوكندا لايمكن أن ينسحب على الفضاء التربوي التونسي فكيف نستورد نظاما خاصّا ببلاد معيّنة ليس بالضرورة أن ينجح في تونس فلا للنظم المعلّبة.
* إصلاح المنظومة التربوية لا يتبدّل نوعيا رغم قيام الثورة في تونس، ولكن العكس هو الصحيح لأن محاولات الإصلاح التي تمت كانت تحت إكراهات السياسة والمراقبة الأمنية وانه على الذين أقدموا على تقديم ورقات في هذا الإتجاه أن يدلوا بدلوهم في ظل الحرية فكرية التي انداحت بعد الثورة.
ويبقى السؤال المطروح هل هو تأسيس أم إصلاح في مستوى المنظومة التربوية؟ ولكننا أمام وضع منهجي صعب فمن جهة فإن الداعين للإصلاح يخافون من أن معنى التأسيس قد يفيد الهدم وسيؤدي إلى الفراغ ،وإن الداعين للتأسيس يخشون عودة المنظومة القديمة وما ستجلبه من سلبيات.
أمام هذين النموذجين المتصارعين فإن عملية الهدم والبناء تتمّ معا في الذهن فمقولة الهدم ليست في محلّها.
وحول كل هذا وذاك لابد من الوقوف على جملة الإستنتاجات منها:
* لابد من توافق موضوعي ينطلق من معطيات علمية: أن لا وجود لنموذج كوني واحد في التعليم وإنما هناك نماذج مختلفة باختلاف الأمصار والبلدان.
* النموذج الناجح هو الذي ينبع من بيئته.
* النموذج الجيّد هو الذي يقوم به المهندس الجيّد.
* أن يتولى أمره أخيارهم وليس كل من دب وهبّ.
* العمليّة التربويّة ليست عملية ميكانيكية نستوردها من أيّ مكان وإنما هي عمليّة حية وتفاعلية مع بيئتها.
من خلا ل هذه المداخلتين في اليوم الأول للندوة فإنه يحق لنا الإشارة إلى ملحوظات في شكل برقي آملين التعمق فيها في دراسة مفصّلة:
* إن عنوان الندوة يستهدف يؤكد على أهميّة البدء بالعقول وبذلك تتم عملية إصلاح واضحة المعالم والمسارات والأهداف والوسائل حيث أن المعيار في المراهنة عندنا ليس التصنيف العالمي في التعليم؛ بل المعيار هو التصنيف العالمي للعقول المبدعة والمنتجة والعقل التونسي لا يقل عن أي عقل آخر هندي أو ماليزي أوباكستاني قدرة وإمكانيات.
* لايتم هذا الإبداع إلا إذا توفرت قيمة الحرية التي انداحت بعد الثورة والتي لابد من معرفة بكيفية استثمارها زمنا ومكانا.
* إعتبار العقل هوالمعادلة الأصعب في بناء كل صناعة حضارية، ولعله أكبر حتى من البترول!
* من خلال هذه الندوة هناك إصرارعلى حتمية الإصلاح التربوي والتأسيس لمدرسة مبنية على ثقافة تدفع بالإنسان إلى أن يتفاعل معها بشكل إيجابي فالمباني التعليمية والإعتناء بالمعلمين وكفاءاتهم والتجهيزات على أهميتها لا تفي بالغرض إلا إذا عملنا على إرساء ثقافة تبني على التفكير الحر وتحارب البيروقراطية والنمطيّة والتباطؤ.
ويبقى الأمل معقودا على الفاعلين التربويين من مجتمع مدني ومؤسسات رسمية وقيادات سياسية لتتكاتف الجهود للخروج بجواب تشاركي والذي يعتبر المدخل الضروري الذي لابد منه لأنه يعتمد على الحوار والتعاون ويستبعد التحكمية في أخذ القرار في مثل هذا القطاع الحيوي والخطير.
وأخيرا يبقى السؤال المطروح أي مدخل نعتمد للإصلاح التربوي؟هل مدخل تأسيسي أم هوإصلاحي تراكمي بسلبياته وإيجابياته؟