فن وأساليب الاقناع .. كيف تكون مقنعاً ؟
الكاتب :ابراهيم النجار
لكي يصل أي انسان وخصوصاً الإعلامي بفكرته إلى المتلقي يجب أن يصيغ رسالته بأسلوب يشرحها ويسهلها، ويجعلها مشوقة ما يجعل المستقبل يقبل عليها وينجذب إليها؛ وحسن الأسلوب يجعل المتلقي يقتنع بالفكرة حتى لو كانت غير عادلة أو تعبر عن وجهة نظر غير صحيحة. ولطرح أي فكرة في وجه المتلقي ينبغي على الإعلامي أن يدعمها بالحجج والدلائل والبراهين التي تؤكد للمتلقي صحتها وواقعيتها وموضوعيتها. لذلك فإنّ للأسلوب أهمية بالغة في وسائل الإعلام، فالأسلوب هو الذي يوصل المعنى إلى المتلقي. ويجب على الإعلامي أن يستخدم الأساليب البسيطة والعبارات المتداولة ويتجنب العبارات المعقدة والأساليب الملتوية، لأنّه يخاطب أنواعاً مختلفة من المتلقين.
ومن القصص الأسطورية الشائعة التي تروى في شأن الإقناع أنّ الشمس والرياح تنازعها على إجبار رجل على خلع معطفه، وأرادت كل من الشمس والرياح أن يكسبا الرهان، فحاولت الرياح التأثير على الرجل بالبرد القارس والعواطف وهذا ما زاد الرجل إصراراً وإلحاحاً على إرتداء معطفه وثباته على رأيه، حتى أصاب اليأس الرياح فتوقفت واستسلمت للرجل، ثمّ جاء دور الشمس فسلطت أشعتها القوية على الرجل، ما جعل الرجل يشعر بالحرارة الشيء الذي جعله يخلع معطفه مختاراً راضياً. وهذه القصة نموذج على أنّ الإكراه والإلحاح على أمر ما يجعل المكره يزيد من إصراره وعزيمته ويرفع من شدة مقاومته. وهناك مثال بسيط فإذا أردت إرغام طفل على شيء ليفعله فإنّه يرفض القيام بذلك الأمر. وإذا تركته وشأنه أو أقنعته بأن ذلك أمر مستحسن، قد يقوم به مختاراً راضياً دونما تدخل.
ولذلك فالإكراه والإلحاح يوجب المقاومة، بينما الإقناع والحوار يجعلان الأمر المتنازع عليه أكثر سهولة. والإقناع لغة يتمتع بها الأقوياء. والإعلامي الناجح هو الذي يستطيع إكتساب لغة الإقناع، لأنّه وسيلة من وسائل كسب الإحترام والتقدير من الآخرين.
- ما هو الإقناع؟
الإقناع هو إستخدام المرسل أو الملقي أو الكاتب أو المتحدث للألفاظ أو الإشارات أو الرموز التي بإمكانها إحداث تأثير في تغيير الإتجاه والميول والسلوك. والإقناع عملية فكرية وشكلية يحاول من خلالها المرسل التأثير على المستقبل وإخضاعه ودفعه لقبول رأي أو فكرة معينة. وذلك باستهداف القناعات السابقة بهدف تغييرها كلياً أو جزئياً من خلال دعم الأفكار الجديدة بحقائق ودلائل وبراهين وحجج موضوعية. وفن الإقناع هو فرع من فروع مهارات الإتصال، والإعلامي المتمكن من هذا الفن يصبح قادراً على إجادة فنون الحوار.
وعلى الإعلامي أن يفهم عناصر الإقناع وهي كالتالي:
- المصدر: ينبغي على الإعلامي التأكد من المصدر الذي يستقي منه معلوماته، ويجب أن يتأكد من صحة المعلومات التي يعمل على إقناع جماهيره بها. وينبغي على الإعلامي أن يتحرى المصداقية، بالإضافة إلى إكتسابه القدرة على إستخدام أساليب الإقناع، وأن يجيد التعامل مع الكلمة باستخدام المنطق.
الرسالة: إذا افترضنا أن شخصاً ما أرسل رسالة إلى شخص آخر بأسلوب جيِّد واجتهد في تعزيزها بأفكار جديدة ولكنه لم يكتبها بخط واضح، فبكل تأكيد فإنّ الرسالة لن تؤدي غرضها. ولذلك فيجب على الإعلامي أن يعرض رسالته الإعلامية بوضوح وببساطة بشكل يجعل المتلقي يفهمها بكل بساطة وبدون أي تعقيدات، وينبغي على الإعلامي أن يساعد المتلقي على فهم الرسالة فهماً متماثلاً معززاً رسالته بالبراهين والحجج المقنعة. كما ينبغي الإبتعاد عن الجدل والإستعداء. وإستبعاد المعلومات المشكوك فيها.
- المستقبل: ينبغي على الإعلامي أن يراعي الفروق العمرية والبيئية والإختلافات الثقافية والقومية والمذهبية، وأن يسعى إلى مخاطبة جميع الفئات وأن يدرك أن لكل مقام مقالاً.
ويعتمد نجاح الإقناع على العناصر التالية:
- القدرة على نقل الأفكار والمبادئ والمعلومات بكفاءة وإتقان.
- القدرة على فهم ظروف وأحوال المتلقين وقيمهم وتكوين رسالة تستطيع إقناعهم بشكل ودي ومرضي بالنسبة لهم.
- القدرة على إثارة إهتمام المتلقين، وهو ما يسمى بالجاذبية الشخصية والتي تقوم على ثلاثة أركان وهي حسن الخلق والأناقة والثقافة الجيِّدة.
- القدرة على خلق تفاعل إيجابي في إطار من المصداقية مع المتلقين.
- التمكن من مهارات الإقناع ووسائله من خلال الإبداع في مهارات الإتصال والتفنن في فنون الحوار مع عدم الإخلال بآدابه وأخلاقياته.
والإقناع هو مخاطبة العقول والقلوب في نفس الوقت، وهو فن لا يجيده إلا من امتلك أدواته.
وعلى الإعلامي أن يسعى إلى إمتلاك أدوات فن الإقناع. وأن يستغل الظروف المكانية والزمانية التي يمر بها المجتمع لإقناعهم بالعدول عن سلوك سيِّئ أو إقناعهم بتبني سلوك ما يعود عليه بالخير.
كما ينبغي على الإعلامي أن يخاطب الجماهير وكأنّه يجيبهم عن تساؤلاتهم الملحة، وإجابته تلك تتناسب مع تفكيرهم وتتعامل بشكل سليم مع المبادئ الفكرية التي تربو عليها. والإعلامي الناجح هو الذي يستطيع تطوير مهاراته الإتصالية بإجادة فنون الحوار والمخاطبة وطرق التأثير وأن يوجه إهتمامه إلى تقوية الخير والعلم والثقافة. فالمجتمع يحتاج إلى نصح وإرشاد وتثقيف، وأن يسعى إلى إبتكار وسائل جديدة لإيصال أفكاره إلى أكبر قدر ممكن من الجماهير على إختلاف شرائحهم.
- كيف نقنع الجماهير بفكرة ما؟
هناك طرق متعددة وأساليب متنوعة من الإقناع، وسوف نتحدث عن بعض طرق الإقناع والتي تختلف حسب الظروف المكانية والزمانية. ومن هذه الطرق ما يلي:
- قاعدة المصالح المتوازنة: ويطلق عليها أيضاً (قاعدة التوازن الملحوظ في المصالح)، وتعبر هذه القاعدة عن مفهوم قوي، وهو أنّ الشخص المستهدف بالإقناع إذا ما أحس بأنّ الفكرة المطروحة تحقق توازناً في المصالح بينه وبين الطرف الآخر فإنّه سيوافقه على الفكرة. وهنا ينبغي على الإعلامي (الذي يهدف إلى إقناع المتلقي) أن يعرف وجهة نظر المتلقي في الفكرة المطروحة. وعليه أيضاً أن يعرف مدى إيجابية أو سلبية المتلقي فيما يخص الفكرة المطروحة. وأن يعرف منظومة القيم التي ينتمي إليها المتلقي، والأفكار التي يتبناها. وعليه كذلك أن يعرف مصدر تلك الأفكار وما أسباب تبني المتلقي لها.
- قاعدة تسيير الحوار: يمكن تشبيه فشل الإعلامي في تسيير الحوار بينه وبين المتلقي بتوقف محرك السفينة وسط البحر، فالإعلامي هنا يلعب دور المحرك الذي يقود سفينة الحوار وعليه أن يكون واعياً مدركاً بجدول أعماله في تسيير الحوار، مع المتلقي أو مع ضيفه، وتنظيم الحوار مسؤولية الإعلامي وعليه أن يعد الأولويات في حواره، وأن يستخدم كافة السبل التي تؤدي إلى نجاح قيادته للحوار بشكل سليم.
- قاعدة كسب الحوار: لكي ينجح الإعلامي في كسب الحوار ينبغي عليه أن يلم بمهارات طرح الأسئلة، ومهارات الإصغاء، وأن يكون دائم الإستعداد لتحقيق النجاح.
- قاعدة الدخول في صلب الموضوع: للوقت أهمية كبيرة في عملية الإقناع، وخاصة إذا كان الحوار مع شخصيات بارزة ومرموقة؛ فهؤلاء الأشخاص وقتهم ثمين لا ينبغي على الإعلامي أن يستهلك وقتاً إضافياً معهم، ولذلك فالإعلامي مطالب بالدخول في صلب الموضوع دون مقدمات أو مداخل. وعليه هنا أن يتمتع بالحزم والوضوح.
- قاعدة الإيجابية: كلما كان الحوار جدّياً وإيجابياً كانت فرصة نجاح الإعلامي كبيرة في تحقيق أهداف الحوار، والإعلامي يحتاج هنا إلى قدر من الإيمان بأنّ ما يقوم به سيلاحظه الضيف أو المتلقي، وخاصة في اللقاءات المباشرة وجهاً لوجه؛ ويجب على الإعلامي أن يدرك أن نبرات الصوت وتعابير الوجه واللغة الحركية الجسدية لها أهمية بالغة وهي أكثر إقناعاً من الألفاظ والكلمات.
- كن دائماً على إستعداد للإقناع:
يمكن تشبيه رجل الإعلام برجل الإطفاء، فيجب أن يكون دائماً مستعداً لأي طارئ أو حدث جديد، وأن يكون سريع البديهة، قوي الملاحظة، قادراً على تطبيق قاعدة المصالح المتوازنة، فهذا التوازن يفيد الإعلامي في زيادة الثقة بالنفس وزيادة فرص نجاحه في أداء رسالته. والإعلامي الناجح هو الذي يتمتع بالمرونة ويستخدم عقلية منفتحة، ويركز على المتلقي ويصغي له بفاعلية حتى يستطيع إقناعه. والمرونة والإستعداد للإقناع يجعلان الإعلامي ينجح في تحقيق هدفين هامين هما:
- تغيير أفكار المتلقي القديمة.
- إقناع المتلقي بالأفكار الجديدة.
وتلعب المرونة دوراً هاماً في تغيير الأفكار القديمة وتبني القناعات الجديدة، ودور الإعلامي هنا هو إقناع المتلقي بالعدول على أفكاره القديمة وتبني الأفكار الجديدة، وهناك قصة أسطورية مغربية قديمة، تتحدث عن فتاة مغربية تدعى (الذويبة) معروفة بالدهاء والذكاء الخارق، وكانت فقيرة، وفي إحدى المرات عاقبها والي البلدة وربطها بجذع نخلة، لكنها وبذكائها استطاعت الإفلات من العقاب، فوالدة الوالي لم تكن تعلم أنّ الوالي عاقبها بربطها بالنخلة، وكانت والدة الوالي تعاني من تورم في ظهرها، فبينما كانت والدة الوالي تتنزه في حديقة القصر، سألت (الذويبة) عن سبب ربطها بالنخلة، فأخبرتها (الذويبة) بأنّها كانت تعاني من تورم في ظهرها، وأنّها عندما ربطت بالنخلة اختفى التورم، واستطاعت إقناع والدة الوالي بفك رباطها وأصرت والدة الوالي أن تُربط هي كذلك بالنخلة، وبذلك استطاعت (الذويبة) الإفلات من العقاب، بل ونالت إعجاب الوالي وتزوجها فيما بعد. وهذه القصة تبيّن بأنّ الإنسان قادر على صنع المعجزات إذا استطاع إكتساب مهارات الإقناع.
- تعلم أساليب الإقناع:
إنّ تعلم أساليب الإقناع من الأمور الهامة للإعلامي. ويقصد بأساليب الإقناع إستخدام كافة طرق وأشكال الإتصال للتأثير على المتلقي وحمله على تقبل الرسالة والتفاعل معها.
ومن أهم أساليب الإقناع ما يلي:
* الأسلوب الجدلي: ويطلق عليه أيضاً الأسلوب السببي، وعلى الإعلامي أن يستخدم هذا الأسلوب الذي يعتمد على قوة البراهين والدلائل والحجج المناسبة لطروحاته وأفكاره. وينقسم هذا الأسلوب إلى نوعين:
- النوع الأوّل: من الأسباب إلى النتائج: ويتم إستخدام هذا الأسلوب بهدف إيجاد العلاقة بين الأشياء عن طريق التسليم بأسباب وظروف معيّنة ينتج عنها حدوث نتائج لتلك الظروف أو الأسباب. ويعتبر هذا الأسلوب بمثابة الخلفية التي يؤسس عليها الإعلامي البراهين والحجج التي تساعده في تقوية طرحه، ما يؤثر بشكل جيِّد في مسألة الإقناع.
- النوع الثاني: من النتائج إلى الأسباب: وهنا يقدم الإعلامي النتائج على الأسباب بهدف التأثير على المتلقي قصد إثارة مشاعره نحو القضية الأُم، ودور الإعلامي هنا أن يقدم النتائج أوّلاً ثمّ يدعمها بالأسباب، وهو عكس ما يحدث في النوع الأوّل.
* الأسلوب التجزيئي: ويطلق عليه أحياناً الأسلوب التخصيصي، وسمي بالتجزيئي لأنّ الإعلامي يقوم بطرح القضية أو الفكرة ويركز عليها. وذلك بالإنتقال من حالة العمومية إلى حالة الخصوصية، باعتبار أنّ الجماهير تأخذ الأمور بعمومها وأن ما ينطبق على الأصل ينطبق على الفرع.
* الأسلوب التعميمي: الهدف من إستخدام هذا الأسلوب هو شد إنتباه المتلقي إلى الفكرة المطروحة من قبل الإعلامي، إلا أنّه هذه المرة ينتقل من الخصوصية إلى العمومية، وهذا الأسلوب يعتمد على إستخدام مثال محدد يتم تعميمه فيما بعد كقاعدة عامة.
* الأسلوب المقارن: يعتمد هذا الأسلوب على المقارنة بين فكرتين أو طرحين بهدف تحديد الفرق بينهما، ويكون تحديد الفرق بعد معرفة الأسباب والظروف المحيطة بكل طرح وتحليل السمات والوظائف الخاصة بكل فكرة، ثمّ في النهاية إصدار حكم والوصول إلى النتائج.
* الأسلوب المعياري: وهو بمثابة مقياس يستخدمه الإعلامي لوصف حالة من الحالات المحددة، وبعدها يأتي التعريف بالنتائج بقياسها بحالة أخرى ذات أسباب وظروف مشابهة، وبعد ذلك يأتي إصدار الحكم الذي يعبر عن وجهة نظر الإعلامي والذي يرى أنّه قادر على إقناع الجماهير.
* الأسلوب الدلالي: يقصد بالأسلوب الدلالي الإستشهاد بالأدلة المنطقية والحجج الواقعية والبراهين الموضوعية، بالإعتماد على المصادر الموثوقة والإستشهادات كالأدلة الدينية، والإستشهاد بالحوادث الحقيقية والأمثلة الواقعية أو الإفتراضية، وإستخدام أقوال المشاهير والنجوم والإستدلال بالأدلة الشعرية والنثرية والحكم والأمثال.
ولا ينتهي الأمر عند معرفة أساليب الإقناع فقط بل ينبغي على الإعلامي أن يقوم بعرضها على المتلقي بشكل مشرق ومشوق، ما يجعل الفكرة جماهيرية، ولن تكون كذلك ما لم يتم عرضها على المتلقي بأسلوب سهل وبسيط ومتوافق مع إهتمامات الجماهير.
ومن أساليب عرض الأفكار والطروحات في المجال الإعلامي ما يلي:
- الأسلوب القصصي: يستهدف الإعلامي من إستخدام هذا الأسلوب الإيحاء للمتلقي بالنتيجة التي يود الوصول إليها. ويعتبر الأسلوب القصصي من أهم أساليب العرض، كون المتلقي يستمتع بتتبع تفاصيل القصة وفي نفس الوقت يستفيد من العبرة أو التهديد أو الوعظ أو الإرشاد أو التوعية المتواجدة بين طيات القصة.
- الأسلوب القصصي السردي: يتميّز هذا النوع بمواصفات إضافية وهي إستخدام الفنون القصصية المختلفة كالدراما والحكاية والحبكة والإثارة، كما يتميز بأسلوب تتبع الأحداث بطريقة سردية بهدف إثارة الإنتباه أو التنبيه للسلوكيات التي يود الإعلامي من الجماهير تجنبها.
- الأسلوب المفعم بالإثارة: شد إنتباه المتلقي وإثارة عواطفه وأحاسيسه هي أبرز أهداف هذا الأسلوب، وغالباً ما يزود هذا الأسلوب بطرح الأسئلة والمواضيع المثيرة والجذابة.
- الأسلوب التسلسلي: ويستخدم هذا الأسلوب لتقديم يد العون إلى القارئ لفهم ما يدور حوله من أحداث ويحميه من العشوائية في ترتيب الأفكار. وينقسم إلى: “الأسلوب التسلسلي الزماني، والأسلوب التسلسلي المكاني والأسلوب التسلسلي النوعي، والأسلوب التسلسلي الشريحي، والأسلوب التسلسلي الوصفي، والأسلوب التسلسلي المعتمد على الطرافة، والأسلوب التسلسلي المألوف.
المصدر: كتاب كيف تحقق النجاح في المجال الإعلامي
ومن القصص الأسطورية الشائعة التي تروى في شأن الإقناع أنّ الشمس والرياح تنازعها على إجبار رجل على خلع معطفه، وأرادت كل من الشمس والرياح أن يكسبا الرهان، فحاولت الرياح التأثير على الرجل بالبرد القارس والعواطف وهذا ما زاد الرجل إصراراً وإلحاحاً على إرتداء معطفه وثباته على رأيه، حتى أصاب اليأس الرياح فتوقفت واستسلمت للرجل، ثمّ جاء دور الشمس فسلطت أشعتها القوية على الرجل، ما جعل الرجل يشعر بالحرارة الشيء الذي جعله يخلع معطفه مختاراً راضياً. وهذه القصة نموذج على أنّ الإكراه والإلحاح على أمر ما يجعل المكره يزيد من إصراره وعزيمته ويرفع من شدة مقاومته. وهناك مثال بسيط فإذا أردت إرغام طفل على شيء ليفعله فإنّه يرفض القيام بذلك الأمر. وإذا تركته وشأنه أو أقنعته بأن ذلك أمر مستحسن، قد يقوم به مختاراً راضياً دونما تدخل.
ولذلك فالإكراه والإلحاح يوجب المقاومة، بينما الإقناع والحوار يجعلان الأمر المتنازع عليه أكثر سهولة. والإقناع لغة يتمتع بها الأقوياء. والإعلامي الناجح هو الذي يستطيع إكتساب لغة الإقناع، لأنّه وسيلة من وسائل كسب الإحترام والتقدير من الآخرين.
- ما هو الإقناع؟
الإقناع هو إستخدام المرسل أو الملقي أو الكاتب أو المتحدث للألفاظ أو الإشارات أو الرموز التي بإمكانها إحداث تأثير في تغيير الإتجاه والميول والسلوك. والإقناع عملية فكرية وشكلية يحاول من خلالها المرسل التأثير على المستقبل وإخضاعه ودفعه لقبول رأي أو فكرة معينة. وذلك باستهداف القناعات السابقة بهدف تغييرها كلياً أو جزئياً من خلال دعم الأفكار الجديدة بحقائق ودلائل وبراهين وحجج موضوعية. وفن الإقناع هو فرع من فروع مهارات الإتصال، والإعلامي المتمكن من هذا الفن يصبح قادراً على إجادة فنون الحوار.
وعلى الإعلامي أن يفهم عناصر الإقناع وهي كالتالي:
- المصدر: ينبغي على الإعلامي التأكد من المصدر الذي يستقي منه معلوماته، ويجب أن يتأكد من صحة المعلومات التي يعمل على إقناع جماهيره بها. وينبغي على الإعلامي أن يتحرى المصداقية، بالإضافة إلى إكتسابه القدرة على إستخدام أساليب الإقناع، وأن يجيد التعامل مع الكلمة باستخدام المنطق.
الرسالة: إذا افترضنا أن شخصاً ما أرسل رسالة إلى شخص آخر بأسلوب جيِّد واجتهد في تعزيزها بأفكار جديدة ولكنه لم يكتبها بخط واضح، فبكل تأكيد فإنّ الرسالة لن تؤدي غرضها. ولذلك فيجب على الإعلامي أن يعرض رسالته الإعلامية بوضوح وببساطة بشكل يجعل المتلقي يفهمها بكل بساطة وبدون أي تعقيدات، وينبغي على الإعلامي أن يساعد المتلقي على فهم الرسالة فهماً متماثلاً معززاً رسالته بالبراهين والحجج المقنعة. كما ينبغي الإبتعاد عن الجدل والإستعداء. وإستبعاد المعلومات المشكوك فيها.
- المستقبل: ينبغي على الإعلامي أن يراعي الفروق العمرية والبيئية والإختلافات الثقافية والقومية والمذهبية، وأن يسعى إلى مخاطبة جميع الفئات وأن يدرك أن لكل مقام مقالاً.
ويعتمد نجاح الإقناع على العناصر التالية:
- القدرة على نقل الأفكار والمبادئ والمعلومات بكفاءة وإتقان.
- القدرة على فهم ظروف وأحوال المتلقين وقيمهم وتكوين رسالة تستطيع إقناعهم بشكل ودي ومرضي بالنسبة لهم.
- القدرة على إثارة إهتمام المتلقين، وهو ما يسمى بالجاذبية الشخصية والتي تقوم على ثلاثة أركان وهي حسن الخلق والأناقة والثقافة الجيِّدة.
- القدرة على خلق تفاعل إيجابي في إطار من المصداقية مع المتلقين.
- التمكن من مهارات الإقناع ووسائله من خلال الإبداع في مهارات الإتصال والتفنن في فنون الحوار مع عدم الإخلال بآدابه وأخلاقياته.
والإقناع هو مخاطبة العقول والقلوب في نفس الوقت، وهو فن لا يجيده إلا من امتلك أدواته.
وعلى الإعلامي أن يسعى إلى إمتلاك أدوات فن الإقناع. وأن يستغل الظروف المكانية والزمانية التي يمر بها المجتمع لإقناعهم بالعدول عن سلوك سيِّئ أو إقناعهم بتبني سلوك ما يعود عليه بالخير.
كما ينبغي على الإعلامي أن يخاطب الجماهير وكأنّه يجيبهم عن تساؤلاتهم الملحة، وإجابته تلك تتناسب مع تفكيرهم وتتعامل بشكل سليم مع المبادئ الفكرية التي تربو عليها. والإعلامي الناجح هو الذي يستطيع تطوير مهاراته الإتصالية بإجادة فنون الحوار والمخاطبة وطرق التأثير وأن يوجه إهتمامه إلى تقوية الخير والعلم والثقافة. فالمجتمع يحتاج إلى نصح وإرشاد وتثقيف، وأن يسعى إلى إبتكار وسائل جديدة لإيصال أفكاره إلى أكبر قدر ممكن من الجماهير على إختلاف شرائحهم.
- كيف نقنع الجماهير بفكرة ما؟
هناك طرق متعددة وأساليب متنوعة من الإقناع، وسوف نتحدث عن بعض طرق الإقناع والتي تختلف حسب الظروف المكانية والزمانية. ومن هذه الطرق ما يلي:
- قاعدة المصالح المتوازنة: ويطلق عليها أيضاً (قاعدة التوازن الملحوظ في المصالح)، وتعبر هذه القاعدة عن مفهوم قوي، وهو أنّ الشخص المستهدف بالإقناع إذا ما أحس بأنّ الفكرة المطروحة تحقق توازناً في المصالح بينه وبين الطرف الآخر فإنّه سيوافقه على الفكرة. وهنا ينبغي على الإعلامي (الذي يهدف إلى إقناع المتلقي) أن يعرف وجهة نظر المتلقي في الفكرة المطروحة. وعليه أيضاً أن يعرف مدى إيجابية أو سلبية المتلقي فيما يخص الفكرة المطروحة. وأن يعرف منظومة القيم التي ينتمي إليها المتلقي، والأفكار التي يتبناها. وعليه كذلك أن يعرف مصدر تلك الأفكار وما أسباب تبني المتلقي لها.
- قاعدة تسيير الحوار: يمكن تشبيه فشل الإعلامي في تسيير الحوار بينه وبين المتلقي بتوقف محرك السفينة وسط البحر، فالإعلامي هنا يلعب دور المحرك الذي يقود سفينة الحوار وعليه أن يكون واعياً مدركاً بجدول أعماله في تسيير الحوار، مع المتلقي أو مع ضيفه، وتنظيم الحوار مسؤولية الإعلامي وعليه أن يعد الأولويات في حواره، وأن يستخدم كافة السبل التي تؤدي إلى نجاح قيادته للحوار بشكل سليم.
- قاعدة كسب الحوار: لكي ينجح الإعلامي في كسب الحوار ينبغي عليه أن يلم بمهارات طرح الأسئلة، ومهارات الإصغاء، وأن يكون دائم الإستعداد لتحقيق النجاح.
- قاعدة الدخول في صلب الموضوع: للوقت أهمية كبيرة في عملية الإقناع، وخاصة إذا كان الحوار مع شخصيات بارزة ومرموقة؛ فهؤلاء الأشخاص وقتهم ثمين لا ينبغي على الإعلامي أن يستهلك وقتاً إضافياً معهم، ولذلك فالإعلامي مطالب بالدخول في صلب الموضوع دون مقدمات أو مداخل. وعليه هنا أن يتمتع بالحزم والوضوح.
- قاعدة الإيجابية: كلما كان الحوار جدّياً وإيجابياً كانت فرصة نجاح الإعلامي كبيرة في تحقيق أهداف الحوار، والإعلامي يحتاج هنا إلى قدر من الإيمان بأنّ ما يقوم به سيلاحظه الضيف أو المتلقي، وخاصة في اللقاءات المباشرة وجهاً لوجه؛ ويجب على الإعلامي أن يدرك أن نبرات الصوت وتعابير الوجه واللغة الحركية الجسدية لها أهمية بالغة وهي أكثر إقناعاً من الألفاظ والكلمات.
- كن دائماً على إستعداد للإقناع:
يمكن تشبيه رجل الإعلام برجل الإطفاء، فيجب أن يكون دائماً مستعداً لأي طارئ أو حدث جديد، وأن يكون سريع البديهة، قوي الملاحظة، قادراً على تطبيق قاعدة المصالح المتوازنة، فهذا التوازن يفيد الإعلامي في زيادة الثقة بالنفس وزيادة فرص نجاحه في أداء رسالته. والإعلامي الناجح هو الذي يتمتع بالمرونة ويستخدم عقلية منفتحة، ويركز على المتلقي ويصغي له بفاعلية حتى يستطيع إقناعه. والمرونة والإستعداد للإقناع يجعلان الإعلامي ينجح في تحقيق هدفين هامين هما:
- تغيير أفكار المتلقي القديمة.
- إقناع المتلقي بالأفكار الجديدة.
وتلعب المرونة دوراً هاماً في تغيير الأفكار القديمة وتبني القناعات الجديدة، ودور الإعلامي هنا هو إقناع المتلقي بالعدول على أفكاره القديمة وتبني الأفكار الجديدة، وهناك قصة أسطورية مغربية قديمة، تتحدث عن فتاة مغربية تدعى (الذويبة) معروفة بالدهاء والذكاء الخارق، وكانت فقيرة، وفي إحدى المرات عاقبها والي البلدة وربطها بجذع نخلة، لكنها وبذكائها استطاعت الإفلات من العقاب، فوالدة الوالي لم تكن تعلم أنّ الوالي عاقبها بربطها بالنخلة، وكانت والدة الوالي تعاني من تورم في ظهرها، فبينما كانت والدة الوالي تتنزه في حديقة القصر، سألت (الذويبة) عن سبب ربطها بالنخلة، فأخبرتها (الذويبة) بأنّها كانت تعاني من تورم في ظهرها، وأنّها عندما ربطت بالنخلة اختفى التورم، واستطاعت إقناع والدة الوالي بفك رباطها وأصرت والدة الوالي أن تُربط هي كذلك بالنخلة، وبذلك استطاعت (الذويبة) الإفلات من العقاب، بل ونالت إعجاب الوالي وتزوجها فيما بعد. وهذه القصة تبيّن بأنّ الإنسان قادر على صنع المعجزات إذا استطاع إكتساب مهارات الإقناع.
- تعلم أساليب الإقناع:
إنّ تعلم أساليب الإقناع من الأمور الهامة للإعلامي. ويقصد بأساليب الإقناع إستخدام كافة طرق وأشكال الإتصال للتأثير على المتلقي وحمله على تقبل الرسالة والتفاعل معها.
ومن أهم أساليب الإقناع ما يلي:
* الأسلوب الجدلي: ويطلق عليه أيضاً الأسلوب السببي، وعلى الإعلامي أن يستخدم هذا الأسلوب الذي يعتمد على قوة البراهين والدلائل والحجج المناسبة لطروحاته وأفكاره. وينقسم هذا الأسلوب إلى نوعين:
- النوع الأوّل: من الأسباب إلى النتائج: ويتم إستخدام هذا الأسلوب بهدف إيجاد العلاقة بين الأشياء عن طريق التسليم بأسباب وظروف معيّنة ينتج عنها حدوث نتائج لتلك الظروف أو الأسباب. ويعتبر هذا الأسلوب بمثابة الخلفية التي يؤسس عليها الإعلامي البراهين والحجج التي تساعده في تقوية طرحه، ما يؤثر بشكل جيِّد في مسألة الإقناع.
- النوع الثاني: من النتائج إلى الأسباب: وهنا يقدم الإعلامي النتائج على الأسباب بهدف التأثير على المتلقي قصد إثارة مشاعره نحو القضية الأُم، ودور الإعلامي هنا أن يقدم النتائج أوّلاً ثمّ يدعمها بالأسباب، وهو عكس ما يحدث في النوع الأوّل.
* الأسلوب التجزيئي: ويطلق عليه أحياناً الأسلوب التخصيصي، وسمي بالتجزيئي لأنّ الإعلامي يقوم بطرح القضية أو الفكرة ويركز عليها. وذلك بالإنتقال من حالة العمومية إلى حالة الخصوصية، باعتبار أنّ الجماهير تأخذ الأمور بعمومها وأن ما ينطبق على الأصل ينطبق على الفرع.
* الأسلوب التعميمي: الهدف من إستخدام هذا الأسلوب هو شد إنتباه المتلقي إلى الفكرة المطروحة من قبل الإعلامي، إلا أنّه هذه المرة ينتقل من الخصوصية إلى العمومية، وهذا الأسلوب يعتمد على إستخدام مثال محدد يتم تعميمه فيما بعد كقاعدة عامة.
* الأسلوب المقارن: يعتمد هذا الأسلوب على المقارنة بين فكرتين أو طرحين بهدف تحديد الفرق بينهما، ويكون تحديد الفرق بعد معرفة الأسباب والظروف المحيطة بكل طرح وتحليل السمات والوظائف الخاصة بكل فكرة، ثمّ في النهاية إصدار حكم والوصول إلى النتائج.
* الأسلوب المعياري: وهو بمثابة مقياس يستخدمه الإعلامي لوصف حالة من الحالات المحددة، وبعدها يأتي التعريف بالنتائج بقياسها بحالة أخرى ذات أسباب وظروف مشابهة، وبعد ذلك يأتي إصدار الحكم الذي يعبر عن وجهة نظر الإعلامي والذي يرى أنّه قادر على إقناع الجماهير.
* الأسلوب الدلالي: يقصد بالأسلوب الدلالي الإستشهاد بالأدلة المنطقية والحجج الواقعية والبراهين الموضوعية، بالإعتماد على المصادر الموثوقة والإستشهادات كالأدلة الدينية، والإستشهاد بالحوادث الحقيقية والأمثلة الواقعية أو الإفتراضية، وإستخدام أقوال المشاهير والنجوم والإستدلال بالأدلة الشعرية والنثرية والحكم والأمثال.
ولا ينتهي الأمر عند معرفة أساليب الإقناع فقط بل ينبغي على الإعلامي أن يقوم بعرضها على المتلقي بشكل مشرق ومشوق، ما يجعل الفكرة جماهيرية، ولن تكون كذلك ما لم يتم عرضها على المتلقي بأسلوب سهل وبسيط ومتوافق مع إهتمامات الجماهير.
ومن أساليب عرض الأفكار والطروحات في المجال الإعلامي ما يلي:
- الأسلوب القصصي: يستهدف الإعلامي من إستخدام هذا الأسلوب الإيحاء للمتلقي بالنتيجة التي يود الوصول إليها. ويعتبر الأسلوب القصصي من أهم أساليب العرض، كون المتلقي يستمتع بتتبع تفاصيل القصة وفي نفس الوقت يستفيد من العبرة أو التهديد أو الوعظ أو الإرشاد أو التوعية المتواجدة بين طيات القصة.
- الأسلوب القصصي السردي: يتميّز هذا النوع بمواصفات إضافية وهي إستخدام الفنون القصصية المختلفة كالدراما والحكاية والحبكة والإثارة، كما يتميز بأسلوب تتبع الأحداث بطريقة سردية بهدف إثارة الإنتباه أو التنبيه للسلوكيات التي يود الإعلامي من الجماهير تجنبها.
- الأسلوب المفعم بالإثارة: شد إنتباه المتلقي وإثارة عواطفه وأحاسيسه هي أبرز أهداف هذا الأسلوب، وغالباً ما يزود هذا الأسلوب بطرح الأسئلة والمواضيع المثيرة والجذابة.
- الأسلوب التسلسلي: ويستخدم هذا الأسلوب لتقديم يد العون إلى القارئ لفهم ما يدور حوله من أحداث ويحميه من العشوائية في ترتيب الأفكار. وينقسم إلى: “الأسلوب التسلسلي الزماني، والأسلوب التسلسلي المكاني والأسلوب التسلسلي النوعي، والأسلوب التسلسلي الشريحي، والأسلوب التسلسلي الوصفي، والأسلوب التسلسلي المعتمد على الطرافة، والأسلوب التسلسلي المألوف.
المصدر: كتاب كيف تحقق النجاح في المجال الإعلامي